ابو صير وابو قير يحكى أنّ رجلين كانا في الإسكندرية ،وكان أحدهما صباغاً، واسمه أبو قير وكان الثاني حلاقا ،واسمه أبو صير
الجزء الثالث
ثمّ تمدّد ،ونام إلى الصباح ،فلما كان ثاني الأيام صار أبو صير يحلق وكلما جاء له شيءٌ يعطيه لأبي قير وأبو قير يأكل ويشرب وهو قاعدٌ لا يقوم إلا لإزاله الضرورة وكل ليلةٍ يأتي له بصحنٍ ملآن من عند القبطان واستمر على هذه الحالة عشرين يوماً حق رست السفينة على مدينة فطلعا ، ودخلا وتجولا داخلها ثم إكتريا لهما حجرة في خان وفرشها أبو صير، واشترى جميع ما يحتاجان إليه وجاء بلحم وطبخه وأبو قير نائمٌ ولم يستيقظ حتى أيقظه أبو صير ووضع السفرة بين يديه فلما أفاق أكل.
وبعد ذلك قال له لا تؤاخذني فأني مريض ،ثم نام واستمر على هذه الحالة أربعين يوماً وكل يومٍ يحمل الحلاق العدّة ،ويدور في المدينة فيعمل بالذي فيه النّصيب ويرجع فيجد أبا قير متكئا فينبهه وحين ينتبه يقبل على الأكل بلهفة فيأكل حتى يشبع ثم يعود للراحة ولم يزل كذلك مدة أربعين يوماً أخرى وكلما يقول له أبو ؟أني مريض، فلا يرضي أبو صير أن يكدر خاطره ولا يسمع كلمة تؤذيه وفي اليوم الحادي والأربعين مرض الحلاق ،ولم يقدر على الخروج، فطلب من بواب الخان أن يأتي لهما بما يأكلان ، وأبو قير يأكل ولا يستحي وبقي بواب الخان يقضي حاجتهما مدة أربعة أيامٍ.
وبعد ذلك اشتد المرض على الحلاق حتى أغمي عليه، وأما أبو قير فإنه أحرقه الجوع، فقام وفتّش في ثياب أبي صير فرأى معه صرّة كبيرة من الدّراهم فأخذها، وقفل باب الحجرة على أبي صير، ومضى دون أن يعلم أحداً بحال صديقه، ثم أن أبا قير نزل إلى السّوق واشترى ثياباً نفيسةً وصار يدور في المدينة ويتفرج فرآها حسنة الشّوارع مثلها في المدائن وجميع ملبوسها أبيض وأزرق من غير زيادة فأتى إلى صبّاغ ،فرأى جميع ما في دكّانه أزرق فأخرج له قطعة قماش، وقال له :يا معلّم خذ هذه واصبغها !!! فقال له: إن أجرته عشرين درهماً، فأجابه في بلادنا نصبغها بدرهمين!!! فقال: رح اصبغها في بلادكم ،أمّا أنا فلا أصبغها إلا بعشرين درهماً لا تنقص عن هذا القدر شيئاً.
لمتابعة القراءة اضغط على الرقم التالي في الصفحة التالية 👇