كان يا مكان في سالف العصر والأوان راعي فقير كلّ ما يملكه أربع عنزات ،وكانت إمرأته تحلبها كل يوم و تصنع منها جبنا تبيعها في السّوق .
رواية برهان وحسناء وادي الياقوت
لكنها لم تقدر على الانتظار، فمنذ مدّة طويلة لم تر أحدا من الإنس، حملت طعاما وماءا وذهبت إليه، كان نائما، وقد سال منه عرق غزير حتى تبلل ثوبه ،قالت :هذه علامة جيدة ، قريبا ستنتهي الحمّى، ويخرج السمّ .غيّرت ثوبه ،وجدّدت ضماداته ،وأسندت راسه ليشرب ، تأمّلته قمر الزّمان ، كان الفتى جميل الوجه ،قويّ البدن ،تدلّ هيئته ،وأثوابه أنه من أبناء الأشراف ،لكن من يكون ؟
أصبحت تأتي إليه كلّ صباح، وبعد خمسة أيّام فتح عينيه ،ورآها بجواره ،قال: هل متّ ،وأنت من حور الجنّة ،ضحكت، وقالت: أنت حيّ ،لكن هنا جنّة الغيلان أمّا جنّة السّماء فلم يحن وقتها بعد ،يجب أن تأكل شيئا لتستعيد قواك ،لم اكن قادرة على إعطائك سوى الماء ،و شراب الفواكه . قال: لا اقدر ان أحرّك يدي، ردت: هذا من تأثير السّم ،لكنه يزول بعد مدّة هذه الضّفدعة تقدر على اصطياد فرائس أكبر منها بفضل سمّها الذي يشلّ حركتها ،فتأكلها وهي حيّة ،من حسن حظك أنّي كنت قريبة من هنا وإلا افترستك ببطء .
جلست بجانبه ،وأطعمته حتّى شبع ،وقالت له: عندما تتعافى عليك أن تخرج من هنا فالغيلان تعرف رائحة الإنس، ولا آمن عليك منها ، وسأدلّك على طريق الخروج ،و عليك ان تعدني أن لا تخبر أحدا بما رأيته، هذا المكان بقي على حاله من قديم الزّمان لأن البشر لم يعرفوه ، وأريده أن يبقى كذلك . قال برهان الدّين أعدك هذا سرّي وسأدفنه في قلبي.
بعد أيم تعافى الأمير، واندملت جراحه ، وذات يوم جلس برهان الدين مع قمر الزمان في باب المغارة وقال لها أريد أن أسألك ماذا تفعل جارية حسناء في هذا المكان الموحش ، أجابت هذا المكان اسمه وادي الياقوت وأنا سيدة الغيلان والأقزام وكل الغابة المسحورة وما حولها من قرى، تعجب الفتى وقال إذن أنت ملكة التي يتحدث عن قوتها وحكمتها الشعراء والقصّاص.
كنت أعتقد أنك من خيال الناس ولا وجود لك ،ابتسمت ،ما قالوه هو الحقيقة لا شك في ذلك .قال لها أنا برهان الدين ابن السلطان النعمان ،أجابت لقد سمعت كثيرا عن عدله و مروءته ،ثم أضافت ما رأيك أن نتنافس في رمي السهام ،قال هيا لنرى ماذا علمك الغيلان، قالت هل رأيت ذلك الجذع به فجوة صغيرة ،قل لها إنه بعيد لا يكاد يرى ،أخذت قوسها ثم أطلقت السهم فمرق من الفجوة ،صاح الأمير هذا مدهش أنا أيض أقدر على فعل ذلك رمى سهمه فمرق أيضا من الفجوة ،تعجبت قمر الزمان وقالت كنت أعتقد أني الوحيدة التي يمكنها فعل ذلك .
سأذهب الآن ،وأنت إياك أن تخرج في غيابي ،عندما ابتعدت قليلا التفتت ورائها ،كان الأمير واقفا ينظر إليها ،أحسّت بشعور غريب ،فلقد كانت تحس بالسّعادة ،وبأنّ وادي الياقوت أكثر روعة وجمالا ..
يتبع الحلقة الخامسة
لمتابعة القراءة اضغط على الرقم التالي في الصفحة التالية 🌹