كان يا مكان في سالف العصر والأوان راعي فقير كلّ ما يملكه أربع عنزات ،وكانت إمرأته تحلبها كل يوم و تصنع منها جبنا تبيعها في السّوق .
رواية برهان وحسناء وادي الياقوت
لقد عشت ذلك ،الحياة كانت جميلة والجميع كان يتبادل المنافع ،لكن الجشع أنهى كل هذا، ودفع أهل القرى ثمن أخطاء سكّان المدينة. أخلاقنا ،ونظرتنا للأشياء تختلف كثيرا عنهم. ابنتك ستصلح ما أفسده الجشع ،وترجع الأمور إلى نصابها . كانت أم قمر الزمان تسمع بانتباه ،وقد أعجبتها الحكاية ،وزال عن قلبها مما كان فيه من غمّ و حزن ،وقالت :إذا كان الأمر مثلما قلت ،سأخصّص وقتي للقيام به ،وسأشترى مائة من العبيد لرعي أغنامي وبيع جبني وإصلاح حال الغابة .
لم تمض سوى أشهر قليلة حتى نمت الأشجار التي زرعوها ، وجاءت الطيور وبنت عليها أعشاشها ،وأصبحت الحيوانات تجيئ وترعى هناك ،وكفّ الغيلان عن الاقتراب من القرى . كانت الجارية تعرف أنّ أمّها ستذهب إلى السّاحرة ،وتشير عليها كيف تتصرف في صرّة الياقوت، لقد رافقتها كثيرا من المرات وأدهشتها فراستها .وفهمت نسيمة ما دبّرته قمر الزمان ،وبدأت الغابة تكبر و تتجدد .وشكر أهل القرى الثلّاثة التي حول الغابة مريم ، ودعوا لها ،وقرّروا جعل ابنتها قمر الزّمان ملكتهم .
أمّا في وادي الياقوت فلقد قرّر وجهاء الغيلان تعيين قمر الزّمان ملكة تقودهم في الحروب لما شاهدوه فيها من شجاعة ،وقدرة على الرّمي بالسّهام والحراب . ولمّا كان عليها اتّخاذ قرارات لمملكتها ،فعلت الشّيء الذي تتقنه وهو حسن التدبير. .قالت لهم: صيدوا خنزيرين برّيين ، وضعوا حولهما سياجا ،نفذوا لها ما طلبت وهم يهزون رؤوسهم لقد تعودوا على صيدها أما تربيتها فلا يعرفونه .بعد فترة ولدت الأنثى سته صغار وكبروا ،فاندهش القوم ،ووضعوا خنازير أخرى، ولما زاد عددها ،أطلقوا الصّغيرة في الغابة وأكلوا الكبيرة .
ولم تمض بضعة أشهر حتى امتلأت الغابة بالخنازير ، ومنذ أصبحوا يرّبون خنازيرهم زادت أعداد الظباء والغزلان والأرانب، وقالت لهم قمر الزمان: الآن لن تتصارعوا على الطعام في هذه الغابة، أما أنتم معشر الغيلان فطعامكم عند باب بيوتكم ،ولن يحتاج أحد لمهاجمة القرى .رأت مخلوقات الغابة الخير والنّعمة التي أصبحوا عليها فنصّبوها أيضا ملكة عليهم، وبذلك تحقّقت نبوءة السّاحرة نسيمة …
يتبع الحلقة الرابعة
لمتابعة القراءة اضغط على الرقم التالي في الصفحة التالية 🌹