كان يا مكان في سالف العصر والأوان راعي فقير كلّ ما يملكه أربع عنزات ،وكانت إمرأته تحلبها كل يوم و تصنع منها جبنا تبيعها في السّوق .
رواية برهان وحسناء وادي الياقوت
برهان وحسناء وادي الياقوت
الجزء الاول
كان يا مكان في سالف العصر والأوان راعي فقير كلّ ما يملكه أربع عنزات ،وكانت إمرأته تحلبها كل يوم و تصنع منها جبنا تبيعها في السّوق .وذات يوم مرض ولم يعد قادرا على العمل،فأصبحت المرأة تخرج بقطيعها نصف يوم والنصف الآخر تخرج فيه إلى السوق. وكانت دائما تحمد الله على نعمته رغم فقرها ومرض زوجها ،وكلّما تجد نفسها وحيدة في المرعى تعوّدت أن تصلي وتدعو ربّ السماء لترزقها بجارية تؤنس وحدة أبيها ،و تساعدها في أعمال البيت وصناعة الجبن .وكانت دموعها تنزل حارّة على وجها وتسقط على الأرض ،
وهناك نبتت شجيرة صغيرة عطرة الرائحة .
أحد الأيّام وقفت أمامها صبيّة فائقة الجمال تلبس ثوبا أخضر، وتضع على رأسها إكليلا من أوراق الشجر ،خافت المرأة وقالت هل أنت إنس أم جنّ ؟أجابتها: لا تخافي، أنا ملكة حوريات الغابة ،ونحن نعيش بين الأشجار العالية وأنتم لا تروننا لخضرة أثوابنا ،وقدرتنا على الإختفاء .كل يوم أسمع بكائك ودعواتك فأمرت دموعك أن تتحول إلى نبتة فوّاحة ،إصنعي منها مرهما وادهني به نفسك سيرغب زوجك فيك هذه الليلة ،وسترزقين جارية لها لوننا وجمالنا وعذوبة أصواتنا.
أتمّت الحورية كلامها ،وإختفت فجأة مثلما ظهرت .تعجّبت امرأة الرّاعي ،وإعتقدت أنّها كانت حلما، لكن لمّا نظرت إلى الصخرة التي تعودت أن تجلس عليها لاحظت وجود شجيرة غريبة الشكل تحتها ،لقد كانت دائمة التفكير لهذا لم تنبه لها .قلعتها وشمّتها، فأحسّت بتوقّد غرائزها ،قالت في نفسها : لم أكن أحلم ،لقد إستجاب الله لدعائي ،ورحم سجدتي .
في الليل أعدّت المرهم و أخذت حمّاما ثم دهنت به جسدها الدّافئ ثمّ إستلقت بجانب زوجها المريض ،منذ أن مرض لم يعبأ بها ، تضوّعت رائحة المرهم في الغرفة ،فتح عينيه ببطء ،وقال : أحسّ كأني في الغابة ،أشمّ رائحتها ،وأطرب لأصوات عصافيرها ،أراك اليوم جميلة و مثيرة ،هناك شيئ تغيّر هذه الليلة ،لقد إختفت آلام ظهري ،وأبدو أكثر نشاطا . إقتربي فنفسي تشتهيك وتريد أن تسكر من ريقك !!! ضحكت المرأة ،وقالت: من علّمك الفصاحة ؟ ردّ عليها وهو يلمس أناملها الرّقيقة : رائحة العطر !!!
إنّها تنفذ في أعماقي وتثير شجوني ،ولن يطفئ اليوم عشقي إلا حضنك …
في الصّباح نهضت المرأة مبكّرا لتكتشف أنّ كلّ شيئ رجع كما كان، إختفت الرّائحة العطرة ، ورجع زوجها يئن كعادته، وعندما نظرت إلى بقيّة المرهم في الإناء وجدت أنه قد يبس . قالت في نفسها: لم تدم فرحتي ،إلا ليلة واحدة ،ما أقصر السعادة وما أطول الشقاء ،تساءلت :هل سأرزق بالجارية التي وصفتها الحورية لي ؟ كل ما قالته إلى حدّ الآن صحيح ،لا شيئ يمنع هذه النبوءة من التّحقق .
لمتابعة القراءة اضغط على الرقم التالي في الصفحة التالية 🌹