رواية قرن فضة وقرن ذهب

لما دخل الدار صاح بفرح تعالي يا فطيمة أنظري ماذا أحضرت لك عندما جاءت المرأة ورأت الولد والبنت شهقت من الدهشة فلقد كانا جميلين كالقمر فضمتهما إلى صدرها
ثم بكت وقالت :لقد أصبحت عجوزا ولم أحس يوما بحنان الأم لعل الله يعوضني عما فاتني من وجدة وحزن
قال الصياد إنهما ضائعين منذ فترة وقد تمزقت ملابسهما وإتّسخ جسمهما ولو لم أعثر عليهما اليوم لماتا من البرد
أعدي لهما حماما وسأطلب بعض الملابس الدافئة من جارنا أبو محمد فهو كثير العيال وفي الغد سأنزل للسوق لشراء ما يلزم لهما وسأرسلهما إلى الكتاب ليحفظا القرآن ويتعلما القراءة والكتابة
سخنت الامرأة الماء وإستحم الصبيان ومشطت شعريهما وأتى الشيخ بالملابس فاختارت للبنت فستانا أحمر وللصبي قميصا وجبة وقالت لزوجها الشيخ صالح :هل تعلم من أين أتيا
أجاب : لا أعرف لكن من المؤكد أنهما ليس من هذه القرية قالت :صحيح فتصرفاتهما تدل على أنهما من أبناء الأشراف ولعل الحقد والحسد هو الذي دفع بأحدهم إلى الرمي بهما في الواد إنهم في أمان معنا وأنا أحببتهما كثيرا
قال صالح :لا تقلقي سيبقيان معنا فمن حاول قتلهما لن يتوقف إذا علم أنهما أحياء وهذا ما لا أرضاه لهما حسنا : ماذا تقترحين أن نسميهما يا امرأة ؟
فكرت قليلا قالت : بدر و بدور
ضحك الشيخ وقال لها : ليكن الأمر كذلك
….عندما نهضت سكينة من النوم في الصباح إلتفتت حولها فلم تجد أولادها وبدأت تلطم على وجهها وخرج الجميع للبحث عنهم في كل مكان وفي الأخير وجدوا قلادة فيها قرن ذهب قرب الواد أعطاها الأمير لإبنته عند مولدها فأيقنوا أنها غرقت مع أخيها وإنتشر الحزن في القصر
وبكى الناس إلا الأختين فإنهما كانتا تحسان بالسرور لما حل بأختيهما وقالت الكبرى : لقد حان الوقت لنشمت فيها لا شك أنها سخرت منا عندما تزوجنا من طبّاخ وحلواني وتزوّجت هي بإبن السلطان
بعد شهر رجع الأمير فخر الدين من الحرب منتصرا وطلب رؤية إمرأته وأبنائه فحكت له القهرمانة ما وقع وأن سكينة لبست السواد وإعتكفت في غرفتها وقد حل بها هم عظيم
فذهب إليها وواساها وقال لها قد يكونان على قيد الحياة في مكان ما فلنصل إلى الله ليحفظهما ولا نترك الحزن يستولي علينا
لما سمعت الأختان بعطف وحنان الأمير على سكينة وصبره على ما حل به زاد حقدهما على أختهما الصغرى وقالت أحدهما للأخرى : هذه المرة سأدبر لها مكيدة لن تنجو منها وستنهي حياتها في سجن مظلم
كبر بدر وبدور وأصبحا شابين وذات يوم مرض الشيخ صالح وقال لزوجته: إني أحس بان حان أجلي وأوصيك بأن تهتمي بالأولاد وبعد أيام مات فحزنت عليه فطيمة كثيرا ،
ولم تنفع محاولات الجيران لمواساتها وتوقفت عن الأكل والشرب ذات يوم نادت العجوز بدر وأخته وقالت لهما أنها لا محالة ستلحق بزوجها فبدأ يبكيان
طلبت منها أن يجلسا بجوارها فعندها سر تريد أن تخبرهما به مسحا دموعهما ونظرا إليها فقالت: أنا وصالح لسنا أبويكما الحقيقيين ولقد وجدناكما قرب الواد وكان مع الصبي قلادة فيها قرن فضة وقد إحتفظت بها لسنوات طويلة والآن سأمدها لك وأعطت الولد علبة صغيرة
واضافت إسمعوني إذا مت فالدار والبستان سيكون من نصيبكم لكم ما يكفي من المال لتعيشان جيدا وإذا إحتجتم لشيئ إذهبو لجاركم أبو محمد فإنه شخص ذو مروءة
بعد اسابييع ماتت فدفناها بجانب زوجها في طرف البستان وفي أحد الأيام خرج بدر للصيد وسار بجانب الواد حتى إقترب من القصر وكانت الأختان الشريرتين تجلسان تحت شجرة تشويان سمكا وتتحدثان
قالت أحدهما: رغم كل محاولاتنا فإن الأمير لم يتخل عن سكينة ويزيد حبه لها مع الأيام بينما أنا زوجي يصيح في وجهي ويبدو منزعجا مني ولولا خوفه من الأمير لتخلص مني
ردت الأخرى أنت أحسن حال مني لقد تزوج الطباخ وأتى لي بضرة وأهملني
إقترب بدر سلم عليهما وطلب شربة ماء ولما رفع القلة ليشرب ظهرت القلادة وفي طرفها قرن فضي سألته إحداهن قلادتك جميلة من أين حصلت عليها ؟
أجاب :أهداها لي أبي عندما ولدت
نظرت الأختان إلى بعضهما وقالتا له :سنطعمك من سمكنا وأنت أعطنا من صيدك ما رأيك ؟
أجاب :نعم ليكن الأمر كذلك
علمتا منه أنه يسكن في بستان مع أخته في الجانب الآخر من الواد عندما إنصرف بدر Lehcen Tetouani
لمتابعة القراءة اضغط على الرقم التالي في الصفحة التالية 👇