من الصحابي الذى قال عنه النبي يمشي وحده سيموت وحده ويبعث يوم القيامة وحده ؟ ولماذا
لكن مجتمع المدينة في عهد عثمان بن عفان، لم يكن مستعداً لقبول صوت أبي ذرالمختلف، حتى لو قرر أبو ذر ألا يهاجم أحداً بعينه، مكتفياً بالمرور في شوارع المدينة وهو يردد قوله تعالى: “والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشِّرهم بعذاب أليم”، ليشعر أغنياء المدينة الجدد بفعل أموال الفتوحات بالتهديد من صوت أبي ذر، فيقوموا بشكواه للخليفة عثمان الذي طلب منه أن يتوقف عما يفعله، فشكاه أبو ذر لكثير من الصحابة قائلاً: “أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله”، مقرراً تصعيد الموقف بعقد المجالس للحديث مع الناس، ليبلغهم رأيه فيما يجري في المدينة قائلاً إنهم لو وضعوا السيف في حلقه ليمنعوه من إبلاغ ما سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم لما نجحوا في ذلك.
وبرغم أن “الرد الرسمي” على اعتراضات أبي ذر تركز في الإشارة إلى عدم تقصير أولي الأمر في جمع زكاة المال من الأغنياء وإنفاقها في مصارفها الشرعية، إلا أن أبا ذر كان يعتقد أن الزكاة غير كافية في ظل تضخم الأموال التي قام الكثيرون بجمعها وكنزها، لأن نسبة الزكاة الصغيرة لا تنفع الفقراء الذين يستحقون أن يعطيهم الأغنياء والمترفون جميع ما يكنزونه، خاصة أنهم لم يكنزوه بسبب مهارة خاصة، بل بسبب الفتوحات الإسلامية التي أغرقت الكثيرين في أموال لم يكونوا يحلمون بها، وهو رأي عرضه للصدام مع عثمان بن عفان، في مجلس علني حضره كثير من الوجوه البارزة في مجتمع المدينة، الذين تابعوا النقاش صامتين، لكن أحدهم وهو كعب الأحبار تطوّع للرد على أبي ذر، وكما يقول المؤرخ المسعودي في كتابه (مروج الذهب ومعادن الجوهر)، فقد أغلظ أبو ذر لكعب الأحبار في القول، وذكّره بأنه يهودي الأصل قائلاً: “يا ابن اليهودي ما أجرأك على القول في ديننا”، وبغض النظر عما كتبه بعض المؤرخين عن شخصية كعب الأحبار الخلافية، والتي ينسب البعض إليها إطلاق حركة وضع الأحاديث التي سميت بـ “الإسرائيليات”، وهو ما يرى كُتّاب آخرون أن به مغالاة قامت بتعظيم دور الرجل وشيطنته أحياناً، إلا أن واقع الحال أن رد أبي ذر العنيف على كعب الأحبار، تم اعتباره تجاوزاً في حق الخليفة، لذلك غضب عثمان وأصدر قراراً بنفي أبي ذر عن المدينة، ليُترك له اختيار منفاه.
اختار أبو ذر أن يذهب إلى الشام، لأنه كما يقول الدكتور محمد عمارة في كتابه الممتع (مسلمون وثوار)، اعتقد أنها جبهة مناسبة لمواجهة ما كان يسمعه عن انحراف واليها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، “والذي حوّل الشام إلى صورة غريبة للفخامة القيصرية”، وبالفعل بدأت على الفور مواجهات أبي ذر مع مترفي الشام من أصدقاء معاوية والمقربين منه، وحين زادت شكاواهم لمعاوية الذي طلب من أبي ذر أن يتوقف عن حملاته التحريضية، رد عليه أبو ذر بصريح العبارة قائلاً: “والله لا أنتهي حتى توزع الأموال على الناس كافة”، وحين حاول معاوية اتباع أسلوب آخر مع أبي ذر، حين أرسل إليه ألف دينار في جنح الظلام، فوجئ أن أبا ذر قام بتوزيعها على الفقراء في نفس الليلة، وربما لم يكن معاوية يعرف أن هذا ما دأب عليه أبو ذر من قبل، حين كان يوزع جميع ماله على الفقراء، أيام أن كان يحصل على عطاء سنوي كبير في أيام أبي بكر وعمر، بوصفه من السابقين الأولين في الإسلام.
لمتابعة القراءة اضغط على الرقم التالي في الصفحة التالية 👇